فصل: القاعدة التّاسعة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


تصنيف العقود من حيث الضّمان

26 - يمكن تصنيف العقود من حيث الضّمان إلى أربعة أقسام‏:‏

أوّلاً‏:‏ فهناك عقد شرع للضّمان، أو هو الضّمان بذاته، وهو‏:‏ الكفالة - كما يسمّيها الحنفيّة - وهي - أيضاً - الضّمان كما يسمّيها الجمهور‏.‏

ثانياً‏:‏ وهناك عقود لم تشرع للضّمان، بل شرعت للملك والرّبح ونحوهما، لكن الضّمان يترتّب عليها باعتباره أثراً لازماً لأحكامها، وتسمّى‏:‏ عقود ضمان، ويكون المال المقبوض فيها مضموناً على القابض، بأيّ سبب هلك، كعقد البيع، والقسمة، والصّلح عن مال بمال، والمخارجة، والقرض، وكعقد الزّواج، والمخالعة‏.‏

ثالثاً‏:‏ وهناك عقود يتجلّى فيها طابع الحفظ والأمانة، والرّبح في بعض الأحيان، وتسمّى عقود أمانة، ويكون المال المقبوض فيها أمانةً في يد القابض، لا يضمنه إلاّ إذا تلف بسبب تقصيره في حفظه، كعقد الإيداع، والعاريّة، والشّركة بأنواعها، والوكالة، والوصاية‏.‏

رابعاً‏:‏ وهناك عقود ذات وجهين، تنشئ الضّمان من وجه، والأمانة من وجه، وتسمّى لهذا‏:‏ عقود مزدوجة الأثر، كعقد الإجارة، والرّهن والصّلح عن مال بمنفعة‏.‏

27 - ومناط التّمييز - بوجه عامّ - بين عقود الضّمان، وبين عقود الأمانة، يدور مع المعاوضة‏:‏ فكلّما كان في العقد معاوضة، كان عقد ضمان، وكلّما كان القصد من العقد غير المعاوضة، كالحفظ ونحوه، كان العقد عقد أمانة‏.‏

ويستند هذا الضّابط المميّز، إلى قول المرغينانيّ من الحنفيّة، في تعليل كون يد أحد الشّركاء في مال الشّركة، يد أمانة‏:‏ لأنّه قبض المال بإذن المالك، لا على وجه البدل والوثيقة، فصار كالوديعة‏.‏

وهذا يشير إلى أنّ القبض الّذي يستوجب الضّمان، هو‏:‏ ما كان بغير إذن المالك، كالمغصوب، وما كان بسبيل المبادلة، أي المعاوضة، أو ما كان بسبيل التّوثيق، كالرّهن والكفالة‏.‏

والرّهن - في الواقع - يؤوّل إلى المعاوضة، لأنّه توثيق للبدل، وكذا الكفالة، فكان المعوّل عليه في ضمان العقود، هو المبادلة، وفي غير العقود، هو عدم الإذن، وما المبادلة إلاّ المعاوضة، فهي منشأ التّمييز، بين عقود الضّمان، وبين عقود الحفظ والأمانة‏.‏

وبيان الضّمان في هذه العقود فيما يلي‏:‏

أوّلاً‏:‏ الضّمان في العقود الّتي شرعت للضّمان

الضّمان في عقد الكفالة

28 - إذا صحّ الضّمان - أو الكفالة باستجماع شروطها - لزم الضّامن أداء ما ضمنه، وكان للمضمون له - الدّائن - مطالبته، ولا يعلم فيه خلاف، وهو فائدة الضّمان ثمّ‏:‏

إذا كانت الكفالة بأمر المدين، وهو المكفول عنه، رجع عليه الكفيل بما أدّى عنه بالاتّفاق - على ما يقول ابن جزيّ - في الجملة‏.‏

أمّا إذا كانت الكفالة بغير إذن المكفول عنه، ففي الرّجوع خلاف‏:‏

فمذهب الحنفيّة عدم الرّجوع، إذ اعتبر متبرّعاً في هذه الحال‏.‏

والمالكيّة قرّروا الرّجوع في هذه الحال إن ثبت دفع الكفيل ببيّنة، أو بإقرار صاحب الحقّ، وعلّلوه بسقوط الدّين بذلك‏.‏

والشّافعيّة فصّلوا، وقالوا‏:‏ إن أذن المكفول عنه، في الضّمان والأداء فأدّى الكفيل، رجع‏.‏ وإن انتفى إذنه فيهما فلا رجوع‏.‏

وإن أذن في الضّمان فقط، ولم يأذن في الأداء، رجع في الأصحّ، لأنّه أذن في سبب الغرم‏.‏

وإن أذن في الأداء فقط، من غير ضمان، لا يرجع في الأصحّ، لأنّ الغرم في الضّمان، ولم يأذن فيه‏.‏

واعتبر الحنابلة نيّة الرّجوع عند قضاء الدّين عن المكفول عنه، فقرّروا أنّه‏:‏ إن قضى الضّامن الدّين متبرّعاً، لا يرجع، سواء أضمنه بإذنه أم بغير إذنه، لأنّه متطوّع بذلك‏.‏ وإن قضاه ناوياً الرّجوع، يرجع لأنّه قضاه مبرئاً من دين واجب، فكان له الرّجوع‏.‏

ولو قضاه ذاهلاً عن قصد الرّجوع وعدمه، لا يرجع، لعدم قصد الرّجوع، سواء أكان الضّمان أو الأداء بإذن المضمون عنه، أم بغير إذن‏.‏

ولهم تفصيل رباعيّ في نيّة الرّجوع يقرب من تفصيل الشّافعيّة‏.‏

يراجع فيه مصطلح‏:‏ ‏(‏كفالة‏)‏‏.‏

29 - إذا مات الكفيل قبل حلول أجل الدّين، ففي حلول الدّين ومطالبة الورثة به خلاف ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏كفالة‏)‏‏.‏

ضمان الدّرك

30 - قصر الحنفيّة ضمان الدّرك، على ضمان الثّمن عند استحقاق المبيع، وقالوا‏:‏ هو الرّجوع بالثّمن عند استحقاق المبيع‏.‏

والدّرك هو‏:‏ المطالبة والتّبعة والمؤاخذة‏.‏

ويقال له‏:‏ ضمان العهدة عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

وعرّفوه بأنّه‏:‏ ضمان الثّمن للمشتري، إن ظهر المبيع مستحقّاً أو معيباً أو ناقصاً، بعد قبض الثّمن وضمان الدّرك صحيح عند جماهير الفقهاء وذلك‏:‏‏.‏

أ - لأنّ المضمون هو الماليّة عند تعذّر الرّدّ، والمضمون - كما يقول العدويّ - في المعيب قيمة العيب، وفي المستحقّ الثّمن، وهو جائز بلا نزاع‏.‏

ب - ولأنّ الضّمان هنا، كفالة، والكفالة لالتزام المطالبة، والتزام الأفعال يصحّ مضافاً إلى المآل، كما في التزام الصّوم والصّلاة بالنّذر‏.‏

ج - وقال الحنابلة في تعليل جوازه‏:‏ لأنّ الحاجة تدعو إلى الوثيقة، وهي ثلاثة‏:‏

الشّهادة والرّهن والضّمان، فالأولى لا يستوفي منها الحقّ، والثّانية ممنوعة، لأنّه يلزم حبس الرّهن إلى أن يؤدّى، وهو غير معلوم، فيؤدّي إلى حبسه أبداً، فلم يبق غير الضّمان‏.‏

د - وقالوا‏:‏ ولأنّه لو لم يصحّ لامتنعت المعاملات مع من لم يعرف، وفيه ضرر عظيم، رافع لأصل الحكمة، الّتي شرع من أجلها البيع‏.‏

ونصّ الحنفيّة على أنّ شرط ضمان الدّرك ثبوت الثّمن على البائع بالقضاء، فلو استحقّ المبيع قبل القضاء على البائع بالثّمن، لا يؤخذ ضامن الدّرك، إذ بمجرّد الاستحقاق لا ينتقض البيع على الظّاهر، إذ يعتبر البيع موقوفاً عند أبي حنيفة، ولهذا لو أجاز المستحقّ البيع قبل الفسخ جاز ولو بعد قبضه، وهو الصّحيح، فما لم يقض بالثّمن على البائع لا يجب ردّ الثّمن على الأصيل، فلا يجب على الكفيل‏.‏

ونصّ الشّافعيّة على أنّه لا يصحّ قبل قبض الثّمن، لأنّه إنّما يضمن ما دخل في ضمان البائع، وقيل‏:‏ يصحّ قبل قبضه، لأنّه قد تدعو الحاجة إليه، بأن لا يسلّم الثّمن إلاّ بعده‏.‏

ثانياً‏:‏ العقود الّتي لم تشرع للضّمان ويترتّب عليها الضّمان

الضّمان في عقد البيع

31 - ذهب جمهور الفقهاء، إلى أنّ المبيع في البيع الصّحيح، في ضمان البائع، حتّى يقبضه المشتري، مع رواية تفرقة الحنابلة بين المكيلات، والموزونات، ونحوها، وبين غيرها‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الضّمان ينتقل إلى المشتري - كما يقول ابن جزيّ - بنفس العقد، إلاّ في مواضع منها‏:‏ ما بيع على الخيار، وما بيع من الثّمار قبل كمال طيبه‏.‏

وأهمّ ما يستوجب الضّمان في عقد البيع‏:‏ هلاك المبيع، وهلاك الثّمن، واستحقاق المبيع، وظهور عيب قديم فيه‏.‏

ويلحق به‏:‏ ضمان المقبوض على سوم الشّراء، وضمان المقبوض على سوم النّظر، وضمان الدّرك‏.‏

وبيان ذلك ما يلي‏:‏

هلاك المبيع

32 - يفرّق في الحكم فيه، تبعاً لأحوال هلاكه‏:‏ هلاك كلّه، وهلاك بعضه، وهلاك نمائه، وهلاكه في البيع الصّحيح، والفاسد، والباطل، وهلاكه وهو في يد البائع، أو في يد المشتري‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏بيع ف 59 ومصطلح‏:‏ هلاك‏)‏‏.‏

هلاك نماء المبيع

33 - الأصل المقرّر عند الحنفيّة أنّ زوائد المبيع مبيعة - كما يقول الكاسانيّ - إلاّ إذا كانت منفصلةً غير متولّدة من الأصل، كغلّة المباني والعقارات، فإنّها إمّا أن تحدث في المبيع قبل قبضه أو بعده‏:‏

أ - فقبل القبض، إذا أتلف البائع الزّيادة يضمنها، فتسقط حصّتها من الثّمن عن المشتري، كما لو أتلف جزءاً من المبيع، وكما لو أتلفها أجنبيّ‏.‏

وإذا هلكت بآفة سماويّة، كما لو هلك الثّمر، فلا تضمن، لأنّها كالأوصاف، لا يقابلها شيء من الثّمن، وإنّها وإن كانت مبيعةً، لكنّها مبيعة تبعاً لا قصداً‏.‏

ب - أمّا لو هلكت بعد أن قبضها المشتري، أو أتلفها هو، فهي غير مضمونة بقبضه، ولها حصّتها من الثّمن، فيقسم الثّمن على قيمة الأصل يوم العقد وعلى قيمة الزّيادة يوم القبض‏.‏

ولو أتلفها أجنبيّ، ضمنها بلا خلاف، لكن المشتري بالخيار‏:‏ إن شاء فسخ العقد، ويرجع البائع على الجاني بضمان الجناية، وإن شاء اختار البيع، واتّبع الجاني بالضّمان، وعليه جميع الثّمن كما لو أتلف الأصل‏.‏

الضّمان في البيع الباطل

34 - جمهور الفقهاء لا يفرّقون في قواعدهم العامّة بين البيع الباطل، والبيع الفاسد والحنفيّة هم الّذين فرّقوا بينهما‏.‏

والبيع الباطل لا يثبت الملك أصلاً، ولا حكم لهذا البيع، لأنّ الحكم للموجود، ولا وجود لهذا البيع إلاّ من حيث الصّورة‏.‏

وفي ضمانه تفصيل ينظر في‏:‏ ‏(‏بطلان ف 26، 27 والبيع الباطل ف 11‏)‏‏.‏

ضمان البيع الفاسد

35 - كلّ بيع فاته شرط من شروط الصّحّة فهو فاسد كأن كان في المبيع جهالة، كبيع شاة من قطيع، أو غرر كبيع بقرة على أنّها تحلب كذا في اليوم، أو كان منهيّاً عنه، كبيع الطّعام قبل قبضه، وبيع العينة‏.‏

ومع الاتّفاق على وجوب فسخه، وخبث الرّبح النّاشئ عنه، فقد اختلف في ضمان المبيع فيه بعد قبضه، وملكه‏:‏

ومذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّه وإن كان لا يملك بالقبض، ولا ينفذ التّصرّف فيه ببيع ولا هبة، لكنّه يضمن ضمان الغصب، وعليه مؤنة ردّه كالمغصوب، وإن نقص ضمن نقصانه، وزوائده مضمونة، وفي تعيّبه أرش النّقص، وفي تلفه وإتلافه الضّمان‏.‏

وعلّله ابن قدامة بأنّه مضمون بعقد فاسد، فلم يملكه، كالميتة، فكان مضموناً في جملته، فأجزاؤه مضمونة أيضاً‏.‏

ومذهب الحنفيّة أنّ البيع الفاسد يفيد الملك إذا اتّصل به القبض، ولم يكن فيه خيار شرط لحديث بريرة المعروف، ولصدور العقد من أهله ووقوعه في محلّه، لكنّه ملك خبيث حرام لمكان النّهي، وهذا هو الصّحيح، المختار عندهم‏.‏

ويكون مضموناً في يد المشتري، ويلزمه مثله إن كان مثليّاً، وقيمته إن كان قيميّاً، بعد هلاكه أو تعذّر ردّه‏.‏

ومذهب المالكيّة أنّ المشتري إذا قبض المبيع في البيع الفاسد، دخل في ضمانه، لأنّه لم يقبضه على جهة الأمانة، وإنّما قبضه على جهة التّمليك، بحسب زعمه، وإن لم ينتقل إليه الملك بحسب الأمر نفسه‏.‏

ونصّ الآبيّ على أنّ ملك الفاسد لا ينتقل إلى المشتري بقبضه، بل لا بدّ من فواته - سواء أنقد الثّمن أم لا - قال ابن الحاجب‏:‏ لا ينتقل الملك فيه إلاّ بالقبض والفوات‏.‏

والفوات - كما يقول ابن جزيّ - يكون بخمسة أشياء، ذكر منها تغيّر الذّات والتّعيّب وتعلّق حقّ الآخرين‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

36 - وفي وقت تقدير قيمة المبيع بيعاً فاسداً خلاف بين الفقهاء‏:‏

فعند جمهور الحنفيّة والمالكيّة، تجب القيمة يوم القبض، وذلك لأنّ به يدخل في ضمانه، لا من يوم العقد، لأنّ ما يضمن يوم العقد هو العقد الصّحيح‏.‏

وذهب الحنابلة وهو وجه عند الشّافعيّة وقول محمّد من الحنفيّة‏:‏ أنّه تعتبر قيمته يوم الإتلاف أو الهلاك، لأنّ بهما يتقرّر الضّمان كما يقول محمّد‏.‏

وعلّله الحنابلة بأنّه قبضه بإذن مالكه فأشبه العاريّة وهي مضمونة عندهم‏.‏

والمذهب عند الشّافعيّة اعتبار أقصى القيمة، في المتقوّم، من وقت القبض إلى وقت التّلف‏.‏

وهذا - أيضاً - وجه ذكره الحنابلة في الغصب، وهو هاهنا كذلك، كما يقول المقدسيّ‏.‏ 37 - ولو نقص المبيع بيعاً فاسداً، وهو في يد المشتري، فالاتّفاق على أنّ النّقص مضمون عليه، وذلك‏:‏

أ - للتّعيّب‏.‏

ب - ولأنّ جملة المبيع مضمونة، فتكون أجزاؤها مضمونةً أيضاً‏.‏

38 - ولو زاد المبيع بيعاً فاسداً بعد قبضه، زيادةً منفصلةً كالولد والثّمرة، أو متّصلةً كالسّمن، فهو مضمون على المشتري - كزوائد المغصوب - كما قال النّوويّ‏.‏

وعدم ضمان الزّيادة هو - أيضاً - وجه شاذّ عند الشّافعيّة، ذكره النّوويّ‏.‏

والحنابلة قالوا‏:‏ إذا تلفت العين بعد الزّيادة، أسقطت الزّيادة من القيمة، وضمنها بما بقي من القيمة حين التّلف‏.‏

وذكر المقدسيّ فيه احتمالين‏:‏

أ - أحدهما‏:‏ الضّمان، لأنّها زيادة في عين مضمونة، فأشبهت الزّيادة في المغصوب‏.‏

ب - والآخر‏:‏ عدم الضّمان، لأنّه دخل على أن لا يكون في مقابلة الزّيادة عوض، فعلى هذا تكون الزّيادة أمانةً في يده‏:‏ إن هلكت بتفريطه أو عدوانه، ضمنها، وإلاّ فلا‏.‏ والحنفيّة قرّروا أنّ الزّيادة أربعة أنواع‏:‏

أ - الزّيادة المنفصلة المتولّدة من الأصل، كالولد، فهذه يضمنها بالاستهلاك لا بالهلاك‏.‏

ب - الزّيادة المنفصلة غير المتولّدة من الأصل، كالكسب، لا تضمن بالاستهلاك، عند الإمام، وعند صاحبيه تضمن بالاستهلاك، لا بالهلاك، كالمنفصلة المتولّدة‏.‏

ح - الزّيادة المتّصلة المتولّدة من الأصل، كالسّمن، يضمنها بالاستهلاك لا بالهلاك‏.‏

د - الزّيادة المتّصلة غير المتولّدة من الأصل، كالصّبغ والخياطة، - فإنّها ملك المشتري، وهلاكها أو استهلاكها من حسابه - وإنّما الخلاف في هذه من حيث الفسخ‏:‏

فعند الإمام يمتنع الفسخ فيها، وتلزم المشتري قيمتها‏.‏

وعندهما‏:‏ ينقضها البائع، ويستردّ المبيع‏.‏

وما سواها لا يمنع الفسخ‏.‏

ولو هلك المبيع فقط، دون الزّيادة المنفصلة، فللبائع أخذ الزّيادة، وأخذ قيمة المبيع يوم القبض‏.‏

ولو هلك المبيع فقط، دون الزّيادة المنفصلة، غير المتولّدة، كالكسب، فللبائع أخذها مع تضمين المبيع، لكن لا تطيب له، ويتصدّق بها‏.‏

39 - إذا استغلّ المشتري المبيع بيعاً فاسداً، بعد أن قبضه، لا يردّ غلّته، لأنّ ضمانه منه، و ‏"‏ الخراج بالضّمان ‏"‏‏.‏

والخراج هو‏:‏ الغلّة الحاصلة من المبيع، كأجرة الدّابّة، وكلّ ما خرج من شيء فهو خراجه، فخراج الشّجر ثمره، وخراج الحيوان درّه ونسله‏.‏

وإذا أنفق عليه لا يرجع على بائعه بنفقته، لأنّ من له الغلّة عليه النّفقة، فإن لم يكن له غلّة، فله الرّجوع بالنّفقة‏.‏

وإذا أحدث فيه، ما له عين قائمة، كبناء وصبغ، رجع بذلك على البائع، مع كون الغلّة له، كسكناه ولبسه‏.‏

والزّيادة المنفصلة، غير المتولّدة من الأصل، كالكسب، لا تضمن بالاستهلاك عند أبي حنيفة، فهو كمذهب المالكيّة، لحديث‏:‏ » الخراج بالضّمان «‏.‏

وعند الصّاحبين تضمن بالاستهلاك لا بالهلاك‏.‏

ومذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّ غلات المبيع بيعاً فاسداً مضمونة على كلّ حال، كمنافع المغصوب‏.‏

ونصّ الشّافعيّة على أنّه تلزمه أجرة المثل، للمدّة الّتي كان في يده، وذلك للمنفعة، وإن لم يستوفها، وكذلك نصّوا على أنّه متى حكم بأنّه غاصب للدّار أو لبعضها ضمن الأجرة‏.‏ ونصّ المقدسيّ على أنّ أجرة مثل المبيع بيعاً فاسداً مدّة بقائه في يده تجب على المشتري وعليه ردّها‏.‏

ضمان المقبوض على سوم الشّراء

40 - المقبوض على سوم الشّراء‏:‏ هو أن يقبض المساوم المبيع، بعد معرفة الثّمن، وبعد الشّراء، فيقول للبائع‏:‏ هاته، فإن رضيته اشتريته‏.‏

ولا بدّ فيه عند الحنفيّة من توافر شرطين‏:‏

أ - أن يكون الثّمن مسمّىً في العقد، من البائع أو المشتري‏.‏

ب - وأن يكون القبض بقصد الشّراء، لا لمجرّد النّظر‏.‏

ويضمنه القابض في هذه الحال، إذا هلك في يده، بالقيمة بالغةً ما بلغت يوم القبض، كما في البيع الفاسد، خلافاً للطّرسوسيّ الّذي ذهب إلى أنّه ينبغي أن لا يزاد بها على المسمّى، كما في الإجارة الفاسدة‏.‏

أمّا لو استهلكه فيجب فيه الثّمن لا القيمة، لأنّه بالاستهلاك يعتبر راضياً بإمضاء العقد بثمنه‏.‏

وقال القليوبيّ من الشّافعيّة‏:‏ المأخوذ بالسّوم مضمون كلّه إن أخذه لشراء كلّه، وإلاّ فقدر ما يريد شراءه‏.‏

وفي كشّاف القناع‏:‏ المقبوض على وجه السّوم مضمون إذا تلف مطلقاً، لأنّه مقبوض على وجه البدل والعوض‏.‏

41 - أمّا المقبوض على سوم النّظر، فهو أن يقول المساوم‏:‏ هاته حتّى أنظر إليه، أو حتّى أريه غيري، ولا يقول‏:‏ فإن رضيته أخذته فهذا غير مضمون مطلقاً بل هو أمانة، ذكر الثّمن أو لا، ويضمن بالاستهلاك‏.‏

والفرق بينهما - كما حرّره ابن عابدين -‏:‏

أ - أنّ المقبوض على سوم الشّراء لا بدّ فيه من ذكر الثّمن، أمّا الآخر فلا يذكر فيه ثمن‏.‏

ب - وأنّه لا بدّ أن يقول المشتري‏:‏ إن رضيته أخذته‏.‏ فلو قال‏:‏ حتّى أراه لم يكن مقبوضاً على سوم الشّراء، وإن صرّح البائع بالثّمن‏.‏

وعند الحنابلة إن أخذ إنسان شيئاً بإذن ربّه ليريه الآخذ أهله فإن رضوه أخذه وإلاّ ردّه من غير مساومة ولا قطع ثمن فلا يضمنه إذا تلف بغير تفريط‏.‏

الضّمان في عقد القسمة

42 - تشتمل القسمة على الإفراز والمبادلة‏.‏

والإفراز‏:‏ أخذ الشّريك عين حقّه، وهو ظاهر في المثليّات‏.‏

والمبادلة‏:‏ أخذه عوض حقّه، وهو ظاهر في غير المثليّات‏.‏

ولوجود وصف المبادلة فيها، كانت عقد ضمان‏.‏

ويد كلّ شريك على المشترك قبل القسمة، يد أمانة، وبعدها يد ضمان‏.‏

وإذا قبض كلّ شريك نصيبه بعد القسمة، ملكه ملكاً مستقلاً، يخوّله حقّ التّصرّف المطلق فيه، وإذا هلك في يده هلك من ضمانه هو فقط‏.‏

‏(‏انظر‏:‏ قسمة‏)‏‏.‏

الضّمان في عقد الصّلح عن المال بمال

43 - يعتبر هذا النّوع من الصّلح بمثابة البيع، لأنّه مبادلة كالبيع، ولهذا قال الكاسانيّ‏:‏ الأصل أنّ كلّ ما يجوز بيعه وشراؤه، يجوز الصّلح عليه وما لا فلا‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ الصّلح على غير المدّعى - به - بيع، فتشترط فيه شروط البيع والبيع أبرز عقود الضّمان، فكذلك الصّلح عن المال بمال‏.‏

فإذا قبض المصالح عليه، وهو بدل الصّلح، وهلك في يد المصالح، هلك من ضمانه، كما لو هلك المبيع بعد قبضه في عقد البيع، في يد المشتري‏.‏

‏(‏انظر‏:‏ صلح‏)‏‏.‏

الضّمان في عقد التّخارج

44 - التّخارج‏:‏ اصطلاح الورثة على إخراج بعضهم من التّركة، بشيء معلوم‏.‏

ويعتبر بمثابة تنازل أحد الورثة عن نصيبه من التّركة، في مقابل ما يتسلّمه من المال، عقاراً كان أو عروضاً أو نقوداً، فيمكن اعتباره بيعاً، فإذا قبض المخرج من التّركة بدل المخارجة أخذ حكم المبيع بعد قبضه، تملّكاً وتصرّفاً واستحقاقاً، فإذا هلك هلك من حسابه الخاصّ، كالمبيع إذا هلك في يد المشتري بعد قبضه، وهذا لأنّه أمكن اعتباره بيعاً، فكان مضموناً كضمان المبيع‏.‏

‏(‏انظر‏:‏ تخارج‏)‏‏.‏

الضّمان في عقد القرض

45 - يشبه القرض العاريّة في الابتداء، لما فيه من الصّلة، والمعاوضة في الانتهاء، لوجود ردّ المثل، لكنّه ليس بتبرّع محض، لمكان العوض، وليس جارياً على حقيقة المعاوضات، بدليل الرّجوع فيه ما دام باقياً‏.‏

ويملك القرض بالقبض، كالموهوب - عند الجمهور - لأنّه لا يتمّ التّبرّع إلاّ بالقبض‏.‏ وعند المالكيّة، وفي قول للشّافعيّة، بالتّصرّف والعقد‏.‏

فإذا قبضه المقترض، ضمنه، كلّما هلك، بآفة أو تعدّ منه أو من غيره، كالمبيع والموهوب بعد القبض، لأنّ قبضه قبض ضمان، لا قبض حفظ وأمانة كقبض العاريّة‏.‏

46 - ونصّ الحنفيّة على أنّ المقبوض بقرض فاسد كالمقبوض، ببيع فاسد، سواء، فإذا هلك ضمنه المقترض فيحرم الانتفاع به، لكن يصحّ بيعه، لثبوت الملك، وإن كان البيع لا يحلّ، لأنّ الفاسد يجب فسخه، والبيع مانع من الفسخ، فلا يحلّ، كما لا تحلّ سائر التّصرّفات المانعة من الفسخ‏.‏

والقرض الفاسد يملك بقبضه، ويضمن بمثله أو قيمته، كبيع فسد‏.‏

ولو أقرض صبيّاً، فهلك القرض في يده، لا يضمن بالاتّفاق، عند الحنفيّة، لأنّه سلّطه عليه‏.‏

أمّا لو استهلكه الصّبيّ، فالحكم كذلك عند أبي حنيفة ومحمّد، وعند أبي يوسف يضمن بالتّعمّد والاستهلاك‏.‏ قال في الخانيّة‏:‏ وهو الصّحيح‏.‏

وهذا إذا كان الصّبيّ غير مأذون له بالبيع فإن كان مأذوناً له بالبيع، كان كالبائع، يضمن القرض، بالهلاك والاستهلاك‏.‏

‏(‏انظر‏:‏ قرض‏)‏‏.‏

الضّمان في عقد الزّواج

47 - لا بدّ من المهر في عقد الزّواج، فيجري فيه الضّمان‏.‏

فإن كان المهر ديناً، ثبت في الذّمّة‏.‏

وإن كان عيناً معيّنةً، فإنّ الزّوجة تملكها بمجرّد العقد، ويجب على الزّوج أن يسلّمها العين، ولو لم تتسلّمها بقيت في ضمان الزّوج ما دامت في يده، عيناً مضمونةً بنفسها، لأنّها غير مقابلة بمال، فإذا هلكت قبل تسليمها إلى الزّوجة‏:‏ فالحنفيّة يرون أنّ المضمون في هذه الحال، هو قيمة العين أو مثلها، كسائر الأعيان المضمونة بنفسها، كالمغصوب، والمبيع بيعاً فاسداً، وبدل الصّلح عن دم، والمقبوض على سوم الشّراء‏.‏ ولا يبطل الزّواج بهلاك بدل المهر‏.‏

والمنصوص عند الشّافعيّة، أنّه لو أصدق عيناً، فهي من ضمانه قبل قبضها، ضمان عقد، لا ضمان يد، ولو تلفت في يده أو أتلفها هو، وجب لها مهر مثلها، لانفساخ عقد الصّداق بالتّلف‏.‏

‏(‏انظر‏:‏ مهر‏)‏‏.‏

48 - وكذلك الخلع، ويجري فيه الضّمان، فلو خالعته على عين معيّنة، وهلكت العين قبل الدّفع إلى الزّوج‏:‏ فمذهب الحنفيّة‏:‏ أنّ عليها مثلها أو قيمتها‏.‏

قال الحصكفيّ‏:‏ ولو هلك بدله - يعني بدل الخلع - في يدها، قبل الدّفع، أو استحقّ، فعليها قيمته لو البدل قيميّاً، ومثله لو مثليّاً، لأنّ الخلع لا يقبل الفسخ‏.‏

ومذهب الشّافعيّة أنّ عليها مهر مثلها‏.‏

‏(‏انظر‏:‏ خلع‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ الضّمان في عقود الأمانة

ضمان الوديعة

49 - تعتبر الوديعة من عقود الأمانة، وهي أمانة في يد المودع - أو الوديع - فهو أمين غير ضامن لما يصيب الوديعة، من تلف جزئيّ أو كلّيّ، إلاّ أن يحدث التّلف بتعدّيه أو تقصيره أو إهماله‏.‏

وهذا الحكم متّفق عليه بين الفقهاء، ويشهد له ما روي عن عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » ليس على المستعير غير المغلّ ضمان، ولا على المستودع غير المغلّ ضمان «‏.‏

والمغلّ هو‏:‏ الخائن، في المغنم وغيره‏.‏

وما روي - أيضاً - عن عبد اللّه بن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » من أودع وديعةً فلا ضمان عليه «‏.‏

ومن أسباب الضّمان في الوديعة التّعدّي أو التّقصير أو الإهمال، وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وديعة‏)‏‏.‏

ضمان العاريّة

50 - مشهور مذهب الشّافعيّ، ومذهب أحمد، وأحد قولي مالك - كما نصّ ابن رشد - وقول أشهب من المالكيّة، أنّ العاريّة مضمونة، سواء أتلفت بآفة سماويّة، أم تلفت بفعل المستعير، بتقصير أو بغير تقصير وهو مرويّ عن ابن عبّاس وأبي هريرة، وإليه ذهب عطاء وإسحاق، واستدلّوا‏:‏ بحديث جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما‏:‏ » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أميّة أدرعاً، يوم حنين، فقال‏:‏ أغصباً يا محمّد‏؟‏ قال‏:‏ بل عاريّة مضمونة « وفي رواية‏:‏ » فقال‏:‏ يا رسول اللّه، أعاريّة مؤدّاة، قال‏:‏ نعم عاريّة مؤدّاة «‏.‏

وحديث الحسن عن سمرة رضي الله عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ » على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي «‏.‏

ولأنّه أخذ ملك غيره، لنفع نفسه، منفرداً بنفعه، من غير استحقاق ولا إذن، فكان مضموناً، كالغاصب، والمأخوذ على وجه السّوم‏.‏

ومذهب الحنفيّة، وهو قول ضعيف عند الشّافعيّة أنّ العاريّة أمانة عند المستعير، فلا تضمن إذا هلكت من غير تعدّ ولا تقصير وذلك لحديث‏:‏ » ليس على المستعير غير المغلّ ضمان «‏.‏

ولأنّ عقد العاريّة تمليك أو إباحة للمنفعة، ولا تعرّض فيه للعين، وليس في قبضها تعدّ، لأنّه مأذون فيه، فانتفى سبب وجوب الضّمان‏.‏

وإنّما يتغيّر حال العاريّة من الأمانة إلى الضّمان، بما يتغيّر به حال الوديعة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى تضمين المستعير ما يغاب عليه من العاريّة، وهو‏:‏ ما يمكن إخفاؤه كالثّياب والحليّ والكتب، إلاّ أن تقوم البيّنة على هلاكها أو ضياعها بلا سبب منه فلا يضمن حينئذ، خلافاً لأشهب القائل‏:‏ إنّ ضمان العواريّ ضمان عداء، لا ينتفي بإقامة البيّنة كما ذهبوا إلى عدم تضمينه ما لا يغاب عليه، كالحيوان والعقار، فلا يضمنه المستعير، ولو شرط عليه المعير الضّمان، ولو كان لأمر خافه، من طريق مخوف أو لصوص على المعتمد كما قرّره الدّسوقيّ‏.‏

أمّا لو شرط المستعير نفي الضّمان عن نفسه، فيما يغاب عليه، فلهم فيه قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنّه لا عبرة بالشّروط، ويضمن، لأنّ الشّرط يزيده تهمةً، ولأنّه من إسقاط الحقّ قبل وجوبه، فلا يعتبر‏.‏

الآخر‏:‏ أنّه يعتبر الشّرط، ولا يضمن، لأنّه معروف من وجهين‏:‏ فالعاريّة معروف، وإسقاط الضّمان معروف آخر، ولأنّ المؤمنين عند شروطهم كما جاء في الحديث‏:‏ » المسلمون عند شروطهم «‏.‏

وفي كيفيّة ضمان العاريّة ووقته تفصيل ينظر في‏:‏ ‏(‏إعارة ف 17‏)‏‏.‏

الضّمان في الشّركة

51 - الشّركة قسمان - كما يقول الحنابلة - شركة أملاك وشركة عقد‏.‏

فالأولى يعتبر فيها كلّ من الشّركاء، كأنّه أجنبيّ في حقّ صاحبه، فلا يجوز له التّصرّف فيه بغير إذنه، فإن فعل ضمن‏.‏

والثّانية شركة أموال، والفقهاء متّفقون على أنّ يد أحد الشّركاء في مال الشّركة، يد أمانة، وذلك لأنّه قبضه بإذن صاحبه، لا على وجه المبادلة، كالمقبوض على سوم الشّراء، ولا على وجه الوثيقة كالرّهن‏.‏

فإن قصّر في شيء أو تعدّى، فهو ضامن‏.‏

وكذلك كلّ ما كان إتلافاً للمال، أو كان تمليكاً للمال بغير عوض، لأنّ الشّركة - كما يقول الحصكفيّ - وضعت للاسترباح وتوابعه، وما ليس كذلك لا ينتظمه عقدها، فيكون مضموناً‏.‏

وكذا إذا مات مجهلاً نصيب صاحبه، إذا كان مال الشّركة ديوناً على النّاس، فإنّه يضمن، كما يضمن لو مات مجهلاً عين مال الشّركة الّذي في يده، وكذا بقيّة الأمانات، إلاّ إذا كان يعلم أنّ وارثه يعلم ذلك، فلا يضمن‏.‏

ولو هلك شيء من أموال الشّركة في يده من غير تعدّ ولا تفريط، لا يضمنه لأنّه أمين‏.‏

أمّا لو هلك مال الشّريكين، أو مال أحدهما قبل التّصرّف فتبطل الشّركة، لأنّ المال هو المعقود عليه فيها‏.‏

الضّمان في عقد المضاربة

52 - يعتبر المضارب أميناً في مال المضاربة وأعيانها، لأنّه متصرّف فيه بإذن مالكه، على وجه لا يختصّ بنفعه، فكان أميناً، كالوكيل، وفارق المستعير، لأنّه يختصّ بنفع العاريّة‏.‏

وهذا ما لم يخالف ما قيّده به ربّ المال، فيصبح عندئذ غاصباً‏.‏

ومع اختلاف الفقهاء في جواز تقييد المضارب ببعض القيود، لأنّه مفيد، كما يقول الكاسانيّ، وفي عدم الجواز لما فيه من التّحجير الخارج عن سنّة القراض كما يقول الدّردير، كالاتّجار بالدّين، والإيداع، لكن هناك قيوداً، لا تجوز له مخالفتها، منها‏:‏

أ - السّفر إذا لم يأذن به ربّ المال، وهذا لما فيه من الخطر، والتّعريض للتّلف، فلو سافر بالمال بغير إذنه، ضمنه‏.‏

ب - إذا قيّده بأن لا يسافر ببحر، أو يبتاع سلعةً عيّنها له، فخالفه، ضمن‏.‏

ج - وإذا دفع مال المضاربة قراضاً - أي ضارب فيه - بغير إذن، ضمن لأنّ الشّيء لا يتضمّن مثله إلاّ بالتّنصيص عليه، أو التّفويض إليه‏.‏

ضمان المضارب في غير المخالفات العقديّة

53 - المضارب وإن كان أميناً، لكنّه يضمن - في غير المخالفات العقديّة - فيما يلي‏:‏

أ - إذا باع بأقلّ من ثمن المثل، أو اشترى بأكثر منه، ممّا لا يتغابن فيه النّاس، ضمن‏.‏

ب - إذا تصدّق بشيء من مال القراض، أو أنفق من مال المضاربة في الحضر، على نفسه أو على من يموّله، ضمن، لأنّ النّفقة جزاء الاحتباس، فإذا كان في مصره لا يكون محتبساً‏.‏

أمّا لو أنفق في السّفر، ففيه خلاف وأوجه وشروط في انتفاء ضمانه‏.‏

تنظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏مضاربة‏)‏‏.‏

ج - إذا هلك مال المضاربة في يده، بسبب تعدّيه أو تقصيره أو تفريطه، فإنّه يضمنه، وإلاّ فالخسران والضّياع على ربّ المال، دون العامل، لأنّه أمين، كالوديع‏.‏

ولو هلك في يده من غير تفريط، لا يضمنه، لأنّه متصرّف فيه بإذن مالكه، على وجه لا يختصّ بنفعه‏.‏

د - إذا أتلف العامل مال القراض - المضاربة - ضمنه، ووجب عليه بدله، لكن يرتفع القراض، لأنّه وإن وجب عليه بدله، لكن لا يدخل في ملك المالك إلاّ بالقبض، فيحتاج إلى استئناف القراض‏.‏

الضّمان في عقد الوكالة

54 - الوكيل أمين وذلك لأنّه نائب عن الموكّل، في اليد والتّصرّف، فكانت يده كيده، والهلاك في يده كالهلاك في يد المالك، كالوديع‏.‏

ولأنّ الوكالة عقد إنفاق ومعونة، والضّمان مناف لذلك‏.‏

وعلى هذا لا يضمن الوكيل ما تلف في يده بلا تعدّ، وإن تعدّى ضمن، وكلّ ما يتعدّى فيه الوكيل مضمون، عند من يرى أنّه تعدّى - كما يذكر ابن رشد -‏.‏

55 - الوكيل بالشّراء يتقيّد شراؤه بمثل القيمة وغبن يسير - وهو ما يدخل تحت تقويم المقوّمين - إذا لم يكن سعره معروفاً، فإن كان سعره معروفاً، لا ينفذ على الموكّل وإن قلّت الزّيادة، ‏"‏ فيضمنها الوكيل ‏"‏ وهذا لأنّ التّهمة في الأكثر متحقّقة، فلعلّه اشتراه لنفسه فإذا لم يوافقه ألحقه بغيره‏.‏

والوكيل بالبيع، إذا كانت الوكالة مطلقةً، لا يجوز بيعه، إلاّ بمثل القيمة، عند الصّاحبين ومالك والشّافعيّ ولا يجوز بيعه بنقصان لا يتغابن النّاس في مثله، ولا بأقلّ ممّا قدّره له الموكّل، فلو باع كذلك كان ضامناً، ويتقيّد مطلق الوكالة بالمتعارف‏.‏

وممّا يضمنه الوكيل قبض الدّين، وهو وكيل بالخصومة‏.‏

والوكيل بالخصومة لا يملك القبض، لأنّ الخصومة غير القبض حقيقةً، وهي لإظهار الحقّ‏.‏

ويعتبر قبض الوكيل بالخصومة للدّين تعدّياً، فيضمنه إن هلك في يده، لأنّ كلّ ما يعتدي فيه الوكيل، يضمنه عند من يرى أنّه تعدّى، وهذا عند جمهور الفقهاء وهو المفتى به عند الحنفيّة‏.‏

56 - وهناك أحكام تتعلّق بالضّمان في عقد الوكالة منها‏:‏

1 - إذا اشترى الوكيل شيئاً، وأخّر تسليم الثّمن لغير عذر، فهلك في يده، فهو ضامن له، لأنّه مفرّط في إمساكه‏.‏

2 - إذا قبض ثمن المبيع، فهو أمانة في يده، فإن طلبه الموكّل، فأخّر ردّه مع إمكانه فتلف، ضمنه‏.‏

3 - إذا دفع الوكيل ديناً عن الموكّل، ولم يشهد، فأنكر الّذي له الدّين القبض، ضمن الوكيل لتفريطه بعدم الإشهاد‏.‏

وقيّده الحنفيّة بأن يكون الموكّل قال له‏:‏ لا تدفع إلاّ بشهود، فدفع بغير شهود‏.‏

4 - إذا سلّم الوكيل المبيع قبل قبض ثمنه، ضمن قيمته للموكّل‏.‏

وكذا إذا وكّله بشراء شيء، أو قبض مبيع، فإنّه لا يسلّم الثّمن حتّى يتسلّم المبيع‏.‏

فلو سلّم الثّمن قبل تسلّم المبيع، وهلك المبيع قبل تسلّمه ضمنه للموكّل، إلاّ بعذر‏.‏

57 - للوكيل بالشّراء نسيئةً أن يحبس المبيع لاستيفاء الثّمن، عند الحنفيّة ثمّ‏:‏

أ - إن هلك قبل الحبس، يهلك على الموكّل، ولا يضمن الوكيل‏.‏

ب - وإن هلك بعد الحبس ففيه تفصيل‏:‏

أ - يهلك بالثّمن، هلاك المبيع، ويسقط الثّمن عن الموكّل في قول أبي حنيفة‏.‏

ب - ويهلك بأقلّ من قيمته ومن الثّمن، عند أبي يوسف، حتّى لو كان الثّمن أكثر من قيمته رجع الوكيل بذلك الفضل على موكّله‏.‏

ج - وقال‏:‏ زفر يهلك على الوكيل هلاك المغصوب، لأنّ الوكيل عنده لا يملك الحبس من الموكّل، فيصير غاصباً بالحبس‏.‏

واشترط الشّافعيّة على الوكيل إذا باع إلى أجل، أن يشهد، وإلاّ ضمن‏.‏ وتردّدت النّقول، في أنّ عدم الإشهاد، شرط صحّة أو شرط للضّمان‏.‏

ونقل الجمل أنّه إن سكت الموكّل عن الإشهاد، أو قال‏:‏ بع وأشهد، ففي الصّورتين يصحّ البيع، ولكن يجب على الوكيل الضّمان‏.‏

انظر مصطلح ‏(‏وكالة‏)‏‏.‏

ضمان الوصيّ في عقد الوصاية - أو الإيصاء

58 - الإيصاء‏:‏ تفويض الشّخص التّصرّف في ماله، ومصالح أطفاله، إلى غيره، بعد موته‏.‏

ويعتبر الوصيّ نائباً عن الموصي، وتصرّفاته نافذة، ويده على مال المتوفّى يد أمانة، فلا يضمن ما تلف من المال بدون تعدّ أو تقصير، ويضمن في الأحوال التّالية‏:‏

أ - إذا باع أو اشترى بغبن فاحش، وهو‏:‏ الّذي لا يدخل تحت تقويم المتقوّمين، لأنّ ولايته للنّظر، ولا نظر في الغبن الفاحش‏.‏

ب - كما يضمن الوصيّ إذا دفع المال إلى اليتيم بعد الإدراك، قبل ظهور رشده، لأنّه دفعه إلى من ليس له دفعه إليه، وهذا مذهب الصّاحبين‏.‏

وقال الإمام‏:‏ بعدم الضّمان، إذا دفعه إليه بعد خمس وعشرين سنةً، لأنّ له ولاية الدّفع إليه حينئذ‏.‏

ج - ليس للوليّ الاتّجار في مال اليتيم لنفسه، فإن فعل‏:‏ فعند أبي حنيفة ومحمّد يضمن رأس المال، ويتصدّق بالرّبح‏.‏

وعند أبي يوسف يسلّم له الرّبح، ولا يتصدّق بشيء‏.‏

الضّمان في عقد الهبة

59 - لمّا كانت الهبة عقد تبرّع، فقد ذهب الفقهاء إلى أنّ قبض الهبة هو قبض أمانة، فإذا هلكت أو استهلكت لم تضمن، لأنّه - كما يقول الكاسانيّ - لا سبيل إلى الرّجوع في الهالك، ولا سبيل إلى الرّجوع في قيمته، لأنّها ليست بموهوبة لانعدام ورود العقد عليها‏.‏ وتضمن عند الحنفيّة في هاتين الحالين فقط‏:‏

أ - حال ما إذا طلب الواهب ردّها - لأمر ما - وحكم القاضي بوجوب الرّدّ، وامتنع الموهوب له من الرّدّ، ثمّ هلكت بعد ذلك، فإنّه يضمنها حينئذ، لأنّ قبض الهبة قبض أمانة، والأمانة تضمن بالمنع والجحد بالطّلب، لوجود التّعدّي منه‏.‏

ب - حال ما إذا وهبه مشاعاً قابلاً للقسمة كالأرض الكبيرة، والدّار الكبيرة، فإنّها هبة صحيحة عند الجمهور، لأنّها عقد تمليك، والمحلّ قابل له، فأشبهت البيع لكنّها فاسدة عند الحنفيّة، لأنّ القبض شرط في الهبة، وهو غير ممكن في المشاع، ولا ينفذ تصرّف الموهوب له فيها، وتكون مضمونةً عليه، وينفذ تصرّف الواهب فيها‏.‏

رابعاً‏:‏ العقود المزدوجة الأثر

ضمان الإجارة

60 - إذا كانت الإجارة‏:‏ تمليك المنفعة بعوض، فإنّ المنفعة ضربان‏:‏

أ - فقد تكون المنفعة بمجرّدها هي المعقود عليها، وتتحدّد بالمدّة، كإجارة الدّور للسّكنى، والحوانيت للتّجارة، والسّيّارات للنّقل، والأواني للاستعمال‏.‏

ب - وقد تكون المنفعة المعقود عليها عملاً معلوماً يؤدّيه العامل، كبناء الدّار، وخياطة الثّوب، وإصلاح الأجهزة الآليّة، ونحو ذلك‏.‏

ج - فإذا كانت المنفعة المعقود عليها، وهي مجرّد السّكنى أو الرّكوب، أو نحوهما، يفرّق في الضّمان، بين العين المأجورة، وبين المنفعة المعقود عليها‏:‏

أ - فتعتبر الدّار المأجورة، والسّيّارة المستأجرة - مثلاً - أمانةً في يد المستأجر، حتّى لو خربت الدّار، أو عطبت السّيّارة، وهي في يده، بغير تفريط ولا تقصير، لا ضمان عليه، لأنّ قبض الإجارة - كما يقول الكاسانيّ - قبض مأذون فيه، فلا يكون مضموناً، كقبض الوديعة والعاريّة، سواء أكانت الإجارة صحيحةً أم فاسدةً‏.‏

ونصّ الشّافعيّة على أنّ يد المستأجر على العين المأجورة يد أمانة كذلك، بعد انتهاء عقد الإجارة، إذا لم يستعملها، في الأصحّ، استصحاباً لما كان، كالمودع، وفي قول ثان‏:‏ يد ضمان‏.‏

قال السّبكيّ‏:‏ فإن تلفت عقب انقضاء المدّة، قبل التّمكّن من الرّدّ على المالك، أو إعلامه، فلا ضمان جزماً، أمّا إذا استعملها فإنّه يضمنها قطعاً‏.‏

فلو شرط المؤجّر على المستأجر ضمان العين المأجورة، فهو شرط فاسد، لأنّه ينافي مقتضى العقد، وفي فساد الإجارة فيه وجهان، بناءً على الشّروط الفاسدة في البيع‏.‏ وصرّح الحنفيّة بأنّ اشتراط الضّمان على الأمين باطل‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ ما لا يجب ضمانه، لا يصيّره الشّرط مضموناً، وما يجب ضمانه، لا ينتفي ضمانه بشرط نفيه‏.‏

وروي عن أحمد ما يدلّ على نفي الضّمان بشرطه، ووجوبه بشرطه، استدلاّ بحديث‏:‏ » المسلمون على شروطهم «‏.‏

ب - أمّا المنفعة المعقود عليها، وهي‏:‏ السّكنى أو الرّكوب، فهي مضمونة، بضمان بدلها على المستأجر، بمجرّد تمكّنه من استيفائها، إذا كانت الإجارة صحيحةً، بلا خلاف، سواء انتفع بها المستأجر أم لم ينتفع، وهذا ما نصّت عليه المادّة / 470 / من المجلّة، وفيها‏:‏ تلزم الأجرة في الإجارة الصّحيحة - أيضاً - بالاقتدار على استيفاء المنفعة، مثلاً‏:‏ لو استأجر أحد داراً بإجارة صحيحة، فبعد قبضها يلزمه إعطاء الأجرة، وإن لم يسكنها‏.‏

أمّا إذا كانت الإجارة فاسدةً فقد اختلف في الضّمان الواجب فيها‏:‏ فمذهب الجمهور، وزفر من الحنفيّة، وهو رواية عن الإمام أحمد - أشار إليها ابن رجب - أنّها كالصّحيحة، وأنّه يجب في الضّمان أجر المثل، بالغاً ما بلغ، لأنّ المنافع متقوّمة، فتجب القيمة بالغةً ما بلغت، والإجارة بيع المنافع، فتعتبر ببيع الأعيان، وفي بيع الأعيان إذا فسد البيع تعتبر القيمة، بالغةً ما بلغت، فكذا بيع المنافع‏.‏

والحنفيّة عدا زفر، وهو الرّاوية الثّانية عن الإمام أحمد، يرون التّفرقة بين الصّحيحة والفاسدة‏:‏ ففي الصّحيحة‏:‏ يضمن الأجرة المتّفق عليها، مهما بلغت‏.‏

أمّا في الفاسدة، فضمان الأجرة منوط باستيفاء المنفعة، ولا تجب الأجرة إلاّ بالانتفاع، ويقول ابن رجب في توجيه هذه الرّواية‏:‏ ولعلّها راجعة إلى أنّ المنافع لا تضمن في الغصب ونحوه، إلاّ بالانتفاع، وهو الأشبه‏.‏

61 - أمّا إذا كانت المنفعة المعقود عليها هي إنجاز عمل من الأعمال، كالبناء والخياطة ونحوهما، فإنّ الضّمان يختلف بحسب صفة العامل، وهو الأجير في اصطلاحهم لأنّه إمّا أن يكون أجيراً خاصّاً، أو مشتركاً أي عامّاً‏.‏

والأجير الخاصّ هو الّذي يتقبّل العمل من واحد، أو يعمل لواحد مدّةً معلومةً، ويستحقّ الأجر بالوقت دون العمل‏.‏

والأجير المشترك، هو الّذي يتقبّل العمل من غير واحد، ولا يستحقّ الأجر حتّى يعمل، والضّابط‏:‏ أنّ‏:‏ كلّ من ينتهي عمله بانتهاء مدّة معلومة فهو أجير واحد - أي خاصّ - وكلّ من لا ينتهي عمله بانتهاء مدّة مقدّرة، فهو أجير مشترك‏.‏

وفي ضمان كلّ منهما تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏إجارة‏)‏‏.‏

ضمان الرّهن

62 - اختلف الفقهاء في ضمان الرّهن، إذا هلكت العين المرهونة عند المرتهن، بعد قبضها وبعد تحقّق شروط الرّهن‏:‏

فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الرّهن أمانة في يد المرتهن، لا يلزمه ضمانه، إلاّ إذا تعدّى فيه، أو امتنع من ردّه بعد طلبه منه أو بعد البراءة من الدّين، ولا يسقط بشيء من الدّين بهلاكه - أي الرّهن - من غير تعدّ، وذلك‏:‏ لما روى الزّهريّ عن سعيد بن المسيّب، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » لا يغلق الرّهن من صاحبه الّذي رهنه، له غنمه، وعليه غرمه «‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ الرّهن إذا قبضه المرتهن، كانت ماليّته مضمونةً، أمّا عينه فأمانة، وذلك‏:‏ لما روي عن عطاء أنّه حدّث‏:‏ » أنّ رجلاً رهن فرساً، فنفق في يده، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للمرتهن‏:‏ ذهب حقّك «‏.‏

ولحديث عطاء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » الرّهن بما فيه « ومعناه‏:‏ أنّه مضمون بالدّين الّذي وضع في مقابله‏.‏

وذهب المالكيّة إلى ضمان الرّهن بشروط‏:‏

أ - أن يكون الرّهن في يد المرتهن، لا في يد غيره، كالعدل‏.‏

ب - أن يكون الرّهن ممّا يغاب عليه، أي يمكن إخفاؤه، كالحليّ والسّلاح والكتب والثّياب‏.‏

ج - أن لا تقوم بيّنة على هلاكه أو تلفه بغير سببه، كالحريق الغالب، وغارات الأعداء، ومصادرة البغاة، فإذا وجدت هذه الشّروط، ضمن المرتهن، ولو شرط في عقد الرّهن البراءة وعدم ضمانه، لأنّ هذا إسقاط للشّيء قبل وجوبه، والتّهمة موجودة، خلافاً لأشهب، القائل بعدم الضّمان عند الشّرط‏.‏

63 - وفي اعتبار قيمة الرّهن المضمون، بعض الخلاف والتّفصيل‏:‏

فنصّ الحنفيّة، على أنّ قيمة المرهون إذا هلك، تعتبر يوم القبض، لأنّه يومئذ دخل في ضمانه، وفيه يثبت الاستيفاء يداً، ثمّ يتقرّر بالهلاك‏.‏

أمّا إذا استهلكه المرتهن أو أجنبيّ، فتعتبر قيمته يوم الاستهلاك، لوروده على العين المودعة، وتكون القيمة رهناً عنده‏.‏

وللمالكيّة - في اعتبار قيمة الرّهن التّالف - ثلاثة أقوال، كلّها مرويّة عن ابن القاسم‏:‏ الأوّل‏:‏ يوم التّلف، لأنّ عين الرّهن كانت قائمةً، فلمّا تلفت قامت قيمتها مقامها‏.‏

الثّاني‏:‏ يوم القبض، لأنّه كشاهد، وضع خطّه ومات، فيعتبر خطّه، وتعتبر عدالته يوم كتبه‏.‏

الثّالث‏:‏ يوم عقد الرّهن، قال الباجيّ‏:‏ وهو أقرب، لأنّ النّاس إنّما يرهنون ما يساوي الدّين المرهون فيه غالباً‏.‏

ضمان الرّهن الموضوع على يد العدل

64 - يصحّ وضع الرّهن عند عدل ثالث، غير الرّاهن والمرتهن، ويتمّ ويلزم بقبض العدل، لأنّ يده كيد المرتهن‏.‏

ولا يأخذه أحدهما منه، لأنّه تعلّق حقّ الرّاهن في الحفظ بيده، وتعلّق حقّ المرتهن به استيفاءً، فلا يملك أحدهما إبطال حقّ الآخر‏.‏

ولو دفع الرّهن إلى أحدهما ضمن، لتعلّق حقّهما به، لأنّه مودع الرّاهن في حقّ العين، ومودع المرتهن في حقّ الماليّة، وكلاهما أجنبيّ عن صاحبه، والمودع يضمن بالدّفع إلى الأجنبيّ‏.‏

ولو هلك الرّهن في يد العدل‏:‏

فعند الحنفيّة يهلك من ضمان المرتهن، لأنّ يده في حقّ الماليّة يد المرتهن، وهي المضمونة، فإذا هلك، هلك في ضمان المرتهن‏.‏

ومذهب مالك‏:‏ أنّه إذا هلك في يد الأمين، هلك من ضمان الرّاهن‏.‏

ونصّ المالكيّة‏:‏ على أنّ الأمين إذا دفع الرّهن إلى الرّاهن أو المرتهن بغير إذن وتلف‏:‏ فإن سلّمه إلى الرّاهن، ضمن قيمته للمرتهن، أو ضمن له الدّين المرهون هو فيه، فيضمن أقلّهما‏.‏

وإن سلّمه إلى المرتهن، ضمن قيمة الرّهن للرّاهن‏.‏

الضّمان في الصّلح عن مال بمنفعة

65 - إذا وقع الصّلح عن مال بمنفعة، كسكنى دار، وركوب سيّارة، مدّةً معلومةً، اعتبر هذا الصّلح بمثابة عقد إجارة، وعبارة التّنوير‏:‏ وكإجارة إن وقع عن مال بمنفعة‏.‏

كما لو كان لشخص على آخر ألف دينار، فصالحه المدين على سكنى داره، أو على زراعة أرضه، أو ركوب سيّارته، مدّةً معلومةً، جاز هذا الصّلح‏.‏

وتثبت لهذا النّوع من الصّلح شروط الإجارة، منها التّوقيت - إن احتيج إليه - وتثبت فيه أحكامها - كما يقول النّوويّ - ومن أهمّها‏:‏ اعتبار العين المتصالح على منفعتها، كالدّار والسّيّارة، أمانةً في يد المصالح، أمّا المنفعة ذاتها فإنّها مضمونة على المصالح، بمجرّد تسلّم العين، فإذا مضت مدّة الصّلح المتّفق عليها، اعتبر المصالح مستوفياً لبدل الصّلح حكماً، سواء استوفى المنفعة فعلاً أو عطّلها، كما تقرّر في العين المستأجرة في يد المستأجر في الإجارة‏.‏

يد الأمانة ويد الضّمان

66 - المشهور تقسيم اليد إلى قسمين‏:‏ يد أمانة، ويد ضمان‏.‏

ويد الأمانة‏:‏ حيازة الشّيء أو المال، نيابةً لا تملّكاً، كيد الوديع، والمستعير، والمستأجر، والشّريك، والمضارب وناظر الوقف، والوصيّ‏.‏

ويد الضّمان‏:‏ حيازة المال للتّملّك أو لمصلحة الحائز، كيد المشتري والقابض على سوم الشّراء، والمرتهن، والغاصب والمالك، والمقترض‏.‏

وحكم يد الأمانة، أنّ واضع اليد أمانةً، لا يضمن ما هو تحت يده، إلاّ بالتّعدّي أو التّقصير، كالوديع فإنّه إذا أودع الوديعة عند من لا يودع مثلها عند مثله يضمنها‏.‏

وحكم يد الضّمان، أنّ واضع اليد على المال، على وجه التّملّك أو الانتفاع به لمصلحة نفسه، يضمنه في كلّ حال، حتّى لو هلك بآفة سماويّة، أو عجز عن ردّه إلى صاحبه، كما يضمنه بالتّلف والإتلاف‏.‏

فالمالك ضامن لما يملكه وهو تحت يده، فإذا انتقلت اليد إلى غيره بعقد البيع، أو بإذنه، كالمقبوض على سوم الشّراء، أو بغير إذنه كالمغصوب، فالضّمان في ذلك على ذي اليد‏.‏ ولو انتقلت اليد إلى غيره، بعقد وديعة أو عاريّة، فالضّمان - أيضاً - على المالك‏.‏

أهمّ الأحكام والفوارق بين هاتين اليدين

أ - تأثير السّبب السّماويّ‏:‏

67 - إذا هلك الشّيء بسبب لا دخل للحائز فيه ولا لغيره، انتفى الضّمان في يد الأمانة، لا في يد الضّمان، فلو هلكت العاريّة في يد المستعير بسبب الحرّ أو البرد، لا يضمن المستعير، لأنّ يده يد أمانة‏.‏

بخلاف يد البائع قبل تسليم المبيع إلى المشتري، فإنّه لا ينتفي الضّمان بهلاكه بذلك، بل يفسخ العقد، ويسقط الثّمن، لعدم الفائدة من بقائه، لعجز البائع عن تسليم المبيع كلّما طالب بالثّمن، فامتنعت المطالبة، وارتفع العقد كأن لم يكن‏.‏

والمذهب عند مالك، انتقال الضّمان إلى المشتري بنفس العقد‏.‏

ب - تغيّر صفة وضع اليد‏:‏

68 - تتغيّر صفة يد الأمين وتصبح يد ضمان بالتّعدّي، فإذا تلف الشّيء بعد ذلك ضمنه، مهما كان سبب التّلف، ولو سماويّاً‏.‏

أ - ففي الإجارة، يعتبر الأجير المشترك أميناً - عند أبي حنيفة - والمتاع في يده أمانة، لا يضمن إن هلك بغير عمله، إلاّ إن قصّر في حفظه، كالوديع إذا قصّر في حفظ الوديعة، أو تعمّد الإتلاف، أو تلف المتاع بفعله، كتمزّق الثّوب من دقّه‏.‏

ب - وفي الوديعة، يضمن إذا ترك الحفظ الملتزم، كأن رأى إنساناً يسرق الوديعة، فتركه وهو قادر على المنع، أو خالف في كيفيّة الحفظ، أو أودعها من ليس في عياله، أو عند من لا تودع عند مثله، أو سافر بها، أو جحدها كما تقدّم‏.‏

انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏وديعة‏)‏‏.‏

ج - وفي العاريّة، وهي أمانة عند الجمهور، ما عدا الحنابلة، لا تضمن إن هلكت بالانتفاع المعتاد، وتضمن بالتّعدّي، كأن يدلّ عليها سارقاً أو يتلفها أو يمنعها من المعير بعد الطّلب، على تفصيل بين ما يغاب وما لا يغاب عند المالكيّة‏.‏

ج - الموت عن تجهيل‏:‏

69 - معنى التّجهيل‏:‏ أن لا يبيّن حال الأمانة الّتي عنده، وهو يعلم أنّ وارثه لا يعلم حالها، كذلك فسّرها ابن نجيم، فالوديع إذا مات مجهلاً حال الوديعة الّتي عنده، ووارثه لا يعلم حالها، يضمنها بذلك‏.‏

ومعنى ضمانها - كما يقول ابن نجيم - صيرورتها ديناً في تركته‏.‏

وكذلك ناظر الوقف، إذا مات مجهلاً لحال بدل الوقف، فإنّه يضمنه‏.‏

وكذا كلّ شيء أصله أمانة يصير ديناً في التّركة بالموت عن تجهيل‏.‏

ونصّ الشّافعيّة على أنّ ترك الإيصاء في الوديعة يستوجب الضّمان، وقالوا‏:‏ إذا مرض المودع مرضاً مخوفاً، أو حبس ليقتل لزمه أن يوصي، فإن سكت عن ذلك لزمه الضّمان، لأنّه عرّضها للفوات، لأنّ الوارث يعتمد ظاهر العين، ولا بدّ في الوصيّة من بيان الوديعة، حتّى لو قال‏:‏ عندي لفلان ثوب، ولم يوجد في تركته، ضمن لعدم بيانه‏.‏

‏(‏ر‏:‏ تجهيل‏)‏‏.‏

د - الشّرط‏:‏

70 - لا أثر للشّرط في صفة اليد المؤتمنة عند الأكثرين‏.‏

قال البغداديّ‏:‏ اشتراط الضّمان على المستعير باطل، وقيل‏:‏ تصير مضمونةً‏.‏

وقال التّمرتاشيّ‏:‏ واشتراط الضّمان على الأمين باطل، به يفتى، فلو شرط المؤجّر على المستأجر ضمان العين المؤجّرة، فالشّرط فاسد‏.‏

ولو شرط المودع على الوديع ضمان الوديعة فالشّرط باطل، ولا ضمان لو تلفت وكذا الحكم في سائر الأمانات‏.‏

وعلّله المالكيّة، بأنّه لما فيه من إخراجها عن حقيقتها الشّرعيّة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لأنّه شرط ينافي مقتضى العقد، ولو قال الوديع‏:‏ أنا ضامن لها لم يضمن ما تلف بغير تعدّ ولا تقصير، لأنّ ضمان الأمانات غير صحيح‏.‏

ونصّ القليوبيّ على أنّ شرط الأمانة في العاريّة - وهي مضمونة عند الشّافعيّة إذا هلكت بغير الاستعمال - هو شرط مفسد على المعتمد، وشرط أن لا ضمان فيها فاسد لا مفسد‏.‏ وجاء في نصوص الحنابلة‏:‏ كلّ ما كان أمانةً لا يصير مضموناً بشرطه، لأنّ مقتضى العقد كونه أمانةً، فإذا شرط ضمانه، فقد التزم ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه، فلم يلزمه، كما لو اشترط ضمان الوديعة، أو ضمان مال في يد مالكه‏.‏

وما كان مضموناً لا ينتفي ضمانه بشرطه، لأنّ مقتضى العقد الضّمان، فإذا شرط نفي ضمانه لا ينتفي مع وجود سببه، كما لو اشترط نفي ضمان ما يتعدّى فيه‏.‏

وعن أحمد أنّه ذكر له ذلك، فقال‏:‏ ‏"‏ المؤمنون على شروطهم ‏"‏، وهذا يدلّ على نفي الضّمان بشرطه، والأوّل ظاهر المذهب، لما ذكرناه‏.‏

القواعد الفقهيّة في الضّمان

القواعد في الضّمان كثيرة، نشير إلى أهمّها، باختصار في التّعريف بها، والتّمثيل لها، كلّما دعت الحاجة، مرتّبةً بحسب أوائل حروفها‏:‏

القاعدة الأولى

الأجر والضّمان لا يجتمعان‏:‏

71 - الأجر هو‏:‏ بدل المنفعة‏.‏ والضّمان - هنا - هو‏:‏ الالتزام بقيمة العين المنتفع بها، هلكت أو لم تهلك، وهذه القاعدة من قواعد الحنفيّة، المتّصلة برأيهم في عدم ضمان منافع المغصوب، خلافاً للجمهور‏.‏

فلو استأجر دابّةً أو سيّارةً، لحمل شيء معيّن، فحمّلها شيئاً آخر أو أثقل منه بخلاف جنسه، كأن حمل مكان القطن حديداً فتلفت، ضمن قيمتها، ولا أجر عليه، لأنّها هلكت بغير المأذون فيه‏.‏

وكذا لو استأجرها، ليركبها إلى مكان معيّن، فذهب بها إلى مكان آخر فهلكت، ضمن قيمتها، ولا أجر عليه، لأنّ الأجر والضّمان لا يجتمعان، عند الحنفيّة‏.‏

لكن القاعدة مشروطة عندهم، بعدم استقرار الأجر في ذمّة الضّامن، كما لو استوفى منفعة الدّابّة - مثلاً - فعلاً، ثمّ تجاوز فصار غاصباً، وضمن، يلزمه أجر ما سمّى عندهم، إذا سلمت الدّابّة ولم تهلك‏.‏

والجمهور يوجبون الأجر كلّما كان للمغصوب أجر، لأنّ المنافع متقوّمة كالأعيان، فإذا تلفت أو أتلفها فقد أتلف متقوّماً، فوجب ضمانه كالأعيان وإذا ذهب بعض أجزاء المغصوب في مدّة الغصب، وجب مع الأجرة أرش نقصه لانفراد كلّ بإيجاب‏.‏

وللمالكيّة أقوال‏:‏ وافقوا في بعضها الحنفيّة، وفي بعضها الجمهور وانفردوا بتفصيل في بعضها‏.‏

القاعدة الثّانية

إذا اجتمع المباشر والمتسبّب يضاف الحكم إلى المباشر‏.‏

72 - المباشر للفعل‏:‏ هو الفاعل له بالذّات، والمتسبّب هو المفضي والموصّل إلى وقوعه، ويتخلّل بين فعله وبين الأثر المترتّب عليه فعل فاعل مختار، والمباشر يحصل الأثر بفعله من غير تخلّل فعل فاعل مختار‏.‏

وإنّما قدّم المباشر لأنّه أقرب لإضافة الحكم إليه من المتسبّب، قال خليل‏:‏ وقدّم عليه المردي فلو حفر رجل بئراً في الطّريق العامّ، بغير إذن من وليّ الأمر، فألقى شخص حيوان غيره في تلك البئر، ضمن الّذي ألقى الحيوان، لأنّه العلّة المؤثّرة، دون حافر البئر، لأنّ التّلف لم يحصل بفعله‏.‏

ولو وقع الحيوان فيه بغير فعل أحد، ضمن الحافر، لتسبّبه بتعدّيه بالحفر بغير إذن‏.‏ وكذلك لو دلّ سارقاً على متاع، فسرقه المدلول، ضمن السّارق لا الدّالّ‏.‏

ولذا لو دفع إلى صبيّ سكّيناً، فوجأ به نفسه، لا يضمن الدّافع، لتخلّل فعل فاعل مختار‏.‏ ولو وقع السّكّين على رجل الصّبيّ فجرحها ضمن الدّافع‏.‏

القاعدة الثّالثة

الاضطرار لا يبطل حقّ الغير‏.‏

73 - تطّرد هذه القاعدة سواء أكان الاضطرار فطريّاً كالجوع، أم غير فطريّ كالإكراه، فإنّه يسقط الإثم، وعقوبة التّجاوز، أمّا حقّ الآخرين فلا يتأثّر بالاضطرار، ويبقى المال مضموناً بالمثل إن كان مثليّاً، والقيمة إن كان قيميّاً‏.‏

فلو اضطرّ في مخمصة إلى أكل طعام غيره، جاز له أكله، وضمن قيمته، لعدم إذن المالك، وإنّما الّذي وجد هو إذن الشّرع الّذي أسقط العقوبة فقط‏.‏

القاعدة الرّابعة

الأمر بالتّصرّف في ملك الغير باطل‏.‏

74 - الأمر‏:‏ هو طلب الفعل جزماً، فإذا أمر شخص غيره بأخذ مال شخص آخر أو بإتلافه عليه فلا عبرة بهذا الأمر، ويضمن الفاعل‏.‏

وهذه القاعدة مقيّدة‏:‏ بأن يكون المأمور عاقلاً بالغاً، فإذا كان صغيراً، كان الضّمان على الآمر‏.‏

وأن لا يكون الآمر ذا ولاية وسلطان على المأمور‏.‏

فلو كان الآمر هو السّلطان أو الوالد، كان الضّمان عليهما‏.‏

القاعدة الخامسة

جناية العجماء جبار‏.‏

75 - هذه القاعدة مقتبسة من حديث شريف عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » العجماء جرحها جبار «‏.‏

والعجماء‏:‏ البهيمة، لأنّها لا تفصح، ومعنى جبار‏:‏ أنّه هدر وباطل‏.‏

والمراد أنّها إذا كانت مسيّبةً حيث تسيّب الحيوانات، ولا يد عليها، أمّا لو كان معها راكب فيضمن، فلو اصطادت هرّته طائراً لغيره لم يضمن‏.‏

وفي المسألة تفصيل وخلاف يأتي في ضمان جناية الحيوان‏.‏

القاعدة السّادسة

الجواز الشّرعيّ ينافي الضّمان‏.‏

76 - يعني إذا ترتّب على الفعل الجائز المباح شرعاً، ضرر للآخرين، لا يضمن الضّرر‏.‏ فلو حفر حفرةً في ملكه، أو في الطّريق، بإذن الحاكم، فتردّى فيها حيوان أو إنسان، لا يضمن الحافر شيئاً‏.‏

وهذا مقيّد بشرطين‏:‏

1 - أن لا يكون المباح مقيّداً بشرط السّلامة، فيضمن - مثلاً - راكب السّيّارة وقائد الدّابّة أو راكبها في الطّريق‏.‏

2 - أن لا يكون في المباح إتلاف الآخرين وإلاّ كان مضموناً‏.‏

فيضمن ما يتلفه من مال غيره للمخمصة، مع أنّ أكله لأجلها جائز، بل واجب‏.‏

القاعدة السّابعة

الخراج بالضّمان‏.‏

77 - الخراج‏:‏ هو غلّة الشّيء ومنفعته، إذا كانت منفصلةً عنه، غير متولّدة منه‏.‏ كسكنى الدّار، وأجرة الدّابّة‏.‏

والضّمان‏:‏ هو التّعويض الماليّ عن الضّرر المادّيّ‏.‏

والمعنى‏:‏ أنّ منافع الشّيء يستحقّها من يلزمه ضمانه لو هلك، فتكون المنفعة في مقابل تحمّل خسارة هلاكه، فما لم يدخل في ضمانه لا يستحقّ منافعه وقد » نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن «‏.‏

القاعدة الثّامنة

الغرم بالغنم‏.‏

78 - هذه القاعدة معناها أنّ التّكلّفات والغرامات الّتي تترتّب على الشّيء، تجب على من استفاد منه وانتفع به، مثال ذلك‏:‏

1 - نفقة ردّ العاريّة على المستعير، لأنّه هو الّذي انتفع بها‏.‏

2 - ونفقة ردّ الوديعة على المودع، لأنّه هو الّذي استفاد من حفظها‏.‏

3 - وأجرة كتابة عقد الملكيّة على المشتري، لأنّها توثيق لانتقال الملكيّة إليه، وهو المستفيد من ذلك‏.‏

القاعدة التّاسعة

لا يجوز لأحد أخذ مال أحد بلا سبب شرعيّ‏.‏

79 - هذه القاعدة مأخوذة من حديث‏:‏ » على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه «‏.‏

فيحرم أخذ أموال الآخرين بالباطل كالغصب والسّرقة ونحوهما‏.‏

أحكام الضّمان

أحكام الضّمان - بوجه عامّ - تقسّم إلى هذه الأقسام‏:‏

1 - ضمان الدّماء - الأنفس والجراح -‏.‏

2 - ضمان العقود‏.‏

3 - ضمان الأفعال الضّارّة بالأموال، كالإتلافات، والغصوب‏.‏

وحيث تقدّم القول في ضمان العقود في أنواع الضّمان ومحلّه، فنقصر القول على ضمان الدّماء، وضمان الأفعال الضّارّة بالأموال‏.‏